يعاني أهلنا في المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات العميلة للولايات المتحدة المسماة قوات «سورية الديمقراطية»، او باسمها المختصر «قسد» من نقص حاد في توفر رغيف الخبز، بسبب عدم سماح هذه الميليشيات بوصول الطحين الى الأفران في مناطقهم، مما دفع أبناء هذه المناطق الى الاحتجاج بكل أنواعه، بما فيها قطع الطرقات، ومهاجمة دوريات قسد، والتظاهر، وغير ذلك، فعمدت إلى قسد إطلاق النار على المتظاهرين، وإلى التلويح باحياء تنظيم داعش الإرهابي، مع ما يعنيه ذلك من خطر على حياة جميع أبناء المنطقة الواقعة شرق الفرات.
فأزمة الخبز تشكل عاملاً أساسياً في التظاهرات التي تخرج في مناطق ريف دير الزور، التي تسيطر عليها (قسد)، ويؤكد سكان المنطقة أن الأزمة مفتعلة من قبل «سلطة الأمر الواقع» من دون أسباب واضحة، وما تسوّقه هذه السلطات من مبرّرات عن نقص الطحين، وقلة مصادره غير صحيحة إذا ما تمّت مقارنة الحال مع مناطق أخرى تخضع أيضاً لسيطرة «قسد»، فبرغم وجود مشكلات في كمية الخبز ونوعه في مناطق متعدّدة، إلا أنها ليست كمناطق شرق الفرات.
ويلجأ المحتجون، إلى إغلاق الطرقات العامة بالإطارات المطاطية المشتعلة، للاحتجاج على نقص الخبز، وأيضاً للمطالبة بتحسين الواقع المعاشي بشكل عام، ووصل الأمر حد اقتحام مقار لـ«قسد» وتحطيم محتوياتها في مدينة البصيرة، في مقابل استخدام العنف وإطلاق الرصاص الحي في الهواء من قبل «قسد» لتفريق المحتجين في كل مرّة، ولا يبدو ثمة أفق لحل أزمة الخبز التي قد تتحول لـ«ثورة جياع» لن تكون «قسد» قادرة على مواجهتها، بخاصة أن هذه الأزمة تتكامل مع نقص المحروقات وغياب عنصر الأمان عن المنطقة بفعل المداهمات والاعتقالات المستمرة، التي تزيد من شدّتها عمليات الإنزال الأميركية التي تستند إلى معلومات أمنية توفرها «الاستخبارات العسكرية» التابعة لـ«قسد».
ويرى سكان محليون تواصلت معهم صحيفة «الأخبار» اللبنانية في مناطق متفرقة من شرق الفرات، أنه من غير المعقول أن تكون نتيجة الوقوف لساعات طويلة على «طوابير الخبز» الحصول على كميات قليلة وسيئة الإنتاج، في مقابل إمكانية الحصول على المادة من قبل تجار السوق السوداء بأسعار تصل إلى 3000 ليرة للربطة الواحدة، في حين أن التسعيرة الجديدة التي حدّدتها «قسد» في الأول من الشهر الجاري هي 300 ليرة فقط، والحجة هنا نقل الخبز من مناطق بعيدة أو عبر القوارب الصغيرة القادمة من مناطق سيطرة الحكومة على الضفة الغربية للفرات، كما أن أسعار الطحين في السوق وصلت إلى 100 ألف ليرة سورية للكيس الواحد، إذ يعد «خبز التنور» واحداً من البدائل التي كانت متاحة عوضاً عمّا تنتجه الأفران.
خفّضت «الإدارة الذاتية» حصة الطحين المخصّصة لمناطق شرق الفرات بنسبة 30 في المئة
وقد خفّضت «الإدارة الذاتية» حصة الطحين المخصّصة لمناطق شرق الفرات بنسبة 30 في المئة، بحسب بيان أصدره أصحاب الأفران شرق الفرات، أعلنوا من خلاله تعليق عملهم حتى تحقيق مطالبهم التي من ضمنها مطالبة «قسد» بدعمهم بالخميرة والأكياس، وتحسين نوعية المازوت المقدّمة لهم أسوة بـ«بقية الإقليم»، في إشارة منهم للمناطق التي تسيطر عليها «قسد»، فيما يتهم السكان المحليون قادة «قوات سورية الديمقراطية» المحليين بالوقوف وراء أزمة الخبز بسرقة الطحين وخفض الكميات المباعة للأفران عمداً.
واحتكار المواد الأساسية وتجارتها في المنطقة من قبل هؤلاء، أحد أهم مصادر مراكمة الثروات الخاصة بهم، فيما التعويل على محاسبتهم من قبل قيادتهم الأعلى مسألة مستحيلة، بكون «قسد» لا تهتم بريف دير الزور الشرقي أمنياً أو خدمياً، وما تحتاجه من هذه المنطقة مسألتان فقط، الحصول على النفط والمواسم الزراعية من جهة، واستمرار اعتبار المنطقة تحت سيطرتها وجزء من إدارتها الذاتية أمام المجتمع الدولي من جهة ثانية.
التلويح بعصا «داعش»
وتقوم قسد بإعادة توطين العوائل المرتبطة بتنظيم «داعش» في مناطق شرق الفرات بعد نقلها من مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي، كما أنها تقوم بإطلاق عناصر التنظيم من معتقلاتها، مما يعتبر جزءا من الخطوات التي يمكن أن تؤدي لإعادة إنتاج التنظيم، وهذا ما يخدم فكرة تروّج لها «قسد» عبر تصريحات مسؤوليها ووسائل الإعلام التابعة لها بزعم أن خطر التنظيم لم ينته على رغم خسارته لكل المساحات الجغرافية التي يسيطر عليها، وتقول مصادر أهلية إن التظاهرات الأخيرة كانت سبباً رئيساً في قيام «قسد» بكتابة شعارات التنظيم على جدران وأبواب المحال التجارية في قرية العزبة، لتؤكد عودة «داعش» إلى المنطقة.
وتعد حجة نشاط «داعش» عبر الخلايا التابعة له واحدة من مبررات استمرار التضييق الأمني على السكان واعتقال من يعارض «قسد»، بتهم الولاء أو موالاة «داعش»، وهذا ما يجعل السكان المحليين في حال ارتياب دائم من أي تحرك لـ«قسد» والقوات الأميركية، كما أن السكان يتخوّفون أيضاً من أن تعمد «قسد» لإعادة إنتاج «داعش»، بالتالي ظهور التنظيم بشكل فعلي، لكونه سينفذ عمليات انتقام وتصفية بحق كل من عمل بصورة عسكرية أو مدنية مع «قسد» وإدارتها الذاتية. وفي كل الأحوال، تُعتبر «قسد»، ومن خلفها القوات الأميركية، المستفيد الأكبر والوحيد من عودة التنظيم، إذ ستشكل عودة «داعش» تهديداً مباشراً للسكان الرافضين لسياسات «قسد» في مناطق شرق الفرات من دير الزور، بكون التنظيم الذي يعلن بين الحين والآخر تبنيه عمليات تصفية لشخصيات يتهمها بالعمالة لـ«قسد»، وبذلك ستكون الأخيرة مرتاحة لوجود تهديد إضافي للسكان قد يشغلهم عن الثورة ضدها.