مع سعيه لتوسيع نفوذ منظمته الإرهابية ورشة تلميع الجولاني تنطلق

تقرير إخباري                إعداد أحمد بدور

 شهدت المناطق الخاضعة لنفوذ الإرهابيين انطلاقا من منطقة جسر الشغور وحتى أقصى شمال محافظة اللاذقية في الأيام القليلة الماضية معارك قاسية بين «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل إرهابية أخرى أغلبيتها من الإرهابيين الذين استقدمتهم الدول التي أدارت الحرب على سورية من مختلف أصقاع العالم وهي الآن نريد نقلهم إلى مناطق أخرى وبواسطة الأداة نفسها “تركيا أردوغان» حيث يعتقد المراقبون أن وجهتهم الجديدة ستكون ليبيا وأفغانستان، في الوقت الذي بدأت ورشة خاصة العمل على تلميع الإرهابي أبو محمد الجولاني بحيث يظهر معتدلا خلع لباس التطرف والإرهاب .

 فقد شن مسلحو بحجّة قتال «الخوارج والغلاة»، هجوماً على مواقع تتحصّن فيها فصائل إرهابية تضمّ مقاتلين أجانب، على رأسها «جنود الشام» التي يقودها مراد مارغوشفيلي الملقّب بـ«مسلم أبو وليد الشيشاني»، وجماعة «أبو فاطمة التركي»، على أطراف مدينة جسر الشغور، وصولاً إلى جبل التركمان في ريف اللاذقية، أدّت في مرحلتها الأولى إلى استسلام الشيشاني وخروجه من مناطقه، في وقت لا تزال فيه الاشتباكات جارية في بعض المواقع. الهجوم الذي شنّته «الهيئة» سبقته ترتيبات عديدة للتمهيد له، عن طريق تكثيف الضخّ الإعلامي الذي تمارسه أذرعها ضدّ تلك الفصائل من جهة، وعقد اجتماعات مع بعض قادتها لإقناعهم بالخروج من مناطقهم كمرحلة أولى، ومن سورية بشكل عام في المرحلة الثانية، الأمر الذي ردّ عليه هؤلاء بالرفض ابتداءً، خوفاً من الوقوع في «أسر الهيئة»، وفق ما ذكره الشيشاني، في تسجيل سابق نشره على بعض منصّات التواصل الاجتماعي.

 وتفيد المعلومات التي حصلت عليها وسائل إعلام عربية وأجنبية أن منتصف ليل الاثنين شهد بداية لتطبيق اتفاق بين الشيشاني والنصرة لعب فيه «الحزب الإسلامي التركستاني» دور الوساطة، فخرج 169 عنصراً من «جنود الشام» التابعين للشيشاني كانوا يتحصّنون في منطقة اليمضية في جبل التركمان، إلى جهة لا تزال مجهولة. لكن الاتّفاق سقط بتجدّد الاشتباكات فجر الثلاثاء، لتُستأنف المعركة بين «تحرير الشام» وفصيل صغير متحالف مع الشيشاني يُعرف باسم «جند الله» الذي أسّسه «أبو فاطمة التركي»، ويقوده حالياً أبو حنيفة الأذري، بحجّة مطالبة «الهيئة» بتسليم «عناصر مطلوبين للقضاء في إدلب». وتشير المعلومات إلى أن «الأذري وجد نفسه وحيداً وجماعته في الحرب ضدّ تحرير الشام في منطقة جبل التركمان، لتصل الاشتباكات صباح الأربعاء إلى حدود استخدام الأسلحة الثقيلة، والعودة إلى سلاح الانتحاريين من قِبَل جند الله، وليقوم أحد عناصر الأذري بتفجير نفسه في مجموعة من عناصر تحرير الشام، ما تسبّب بخسائر بشرية».

 ويرى المراقبون أن الجولاني يريد السيطرة على الحدود مع الأراضي التركية في أرض جبلية «محافظة اللاذقية»، يمكن أن تؤمّن له معابر تهريب بديلة من معبر «باب الهوى»، الذي قد تخسره «تحرير الشام» إذا ما ذهبت القوات السورية نحو عملية عسكرية للسيطرة على المعبر المعتمَد في إدخال المساعدات الإنسانية من قِبَل الأمم المتحدة، وهي عملية غير مستبعدة بالحسابات العسكرية والسياسية، لما قد تحقّقه لسورية من مكاسب، أهمّها فصل المناطق التي تحتلها تركيا في ريف حلب عن تلك التي تسيطر عليها «تحرير الشام» في إدلب، وهو الأمر الذي قد لا يكون صعباً بالنسبة إلى الجيش العربي السوري، إذا ما قرّر التقدّم في العمق انطلاقاً من نقاطه جنوب غرب حلب نحو المعبر في مسافة لا تزيد عن 30 كلم، في تكتيك اعتمده في معارك سابقة وأثبت نجاعته. في المقابل، لا يمتلك الشيشاني العديد والعدّة الكافيَين لمواجهة طويلة الأمد مع الجولاني، الذي كان قد نجح في أكثر من معركة شنّها ضدّ خصومه من الإرهابيين سابقاً، ومن أبرزهم «جبهة ثوار سورية» التي قادها جمال معروف، قبل أن يفكّكها الجولاني في عام 2014، وينتقل إلى إنهاء الصراع مع «حركة نور الدين الزنكي» باتفاق في عام 2017 أفضى إلى طرد الزنكي من جنوب حلب وإدلب نحو عفرين، بعد عامين من الاقتتال. وكانت إدلب قد شهدت عدّة صدامات بين «تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام»، التي انتهى بها المطاف إلى الاندماج ضمن ما يسمونه «الجيش الوطني» الذي شكّلته الحكومة التركية، بعدما أرهقتها الخلافات الداخلية والصراعات.

  ويبدو أن الجولاني، يحاول في هذه الأيام، فرض «مركزية السلاح وقرار الحرب»، وذلك من خلال السيطرة على كامل الفصائل الإرهابية في شمال غربي سورية، وتحديداً تلك التي تضمّ الإرهابيين الأجانب المعروفين بلقب «المهاجرين». وفي ظلّ غياب دعوات الصلح التي يطلقها في العادة إرهابيون متطرّفون مِن مِثل السعودي عبد الله المحيسني، الذي يغيب منذ فترة عن المشهد، لم يجد الشيشاني بُدّاً من التحالف مع خصوم الجولاني، وعلى رأسهم تنظيم «حراس الدين» الذي يقوده أبو همام الشامي، والذي أعلن انفصاله عن الجولاني عقب فكّ الأخير ارتباطه مع «القاعدة»، مُبقياً على ولائه للتنظيم الأمّ، قبل أن يَلحق به كلّ من «جيش البادية»، «جيش الساحل»، «سرية كابل»، «سرايا الساحل»، «جيش الملاحم»، و«جند الشريعة»، ليشكّلوا معاً قوّة قوامها 1800 مقاتل، منتشرين في جبال غرب إدلب. وعلى الرغم من تحيّن «حراس الدين» الفرصة للانقضاض على الجولاني، إلا أنه لم يتحرّك لدعم الشيشاني في الجولة الحالية، تاركاً للمقاتلين «الإيغور» المنظّمين تحت مسمّى «الحزب الإسلامي التركستاني» لعب دور الوساطة، التي خرج الشيشاني على إثرها من واجهة الصراع، مُبقِياً حليفه الأذري في مواجهة مصيره في حرب تميل كفّتها بشكل واضح لصالح الجولاني، الذي أراد من حملته الأخيرة إيصال رسالة واضحة إلى «حراس الدين» مفادها: «الطاعة أو القتال».

يُتّهم الجولاني بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تطال المرتبطين بـ«القاعدة»

  خصوم الجولاني من الفصائل الإرهابية الأخرى يتهمونه بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تطال المرتبطين بـ«القاعدة»، من خلال التعاون الاستخباري مع الجانب الأميركي، والذي يُحقّق له هدفَين: الأوّل تصفية كبار شخصيات التنظيمات المنافسة له، والثاني تحويل هذه الشخصيات إلى قرابين للعلاقة المفتوحة التي يريدها مع الأميركيين، بما ينهي وجوده وتنظيمه على لائحة المنظّمات «الإرهابية»، ويجعله جزءاً من مشروع «الفدرلة» الذي يبدو أن أمريكا تريد فرضه في سورية. وفي هذا السياق تحديداً، يمكن فهم الحملة الأخيرة للجولاني ضدّ خصومه، والتي يأمل أن ترفع رصيده لدى واشنطن على طريق تسميته «جنرالاً» من قِبَل الأخيرة، ليقود «إدارة ذاتية» موازية في شمال غربي سورية، أسوةً بمظلوم عبدي الذي كان عضواً في تنظيم «حزب العمّال الكردستاني» الموضوع على لائحة التنظيمات «الإرهابية»، ويُعدّ التعامل معه من الناحية القانونية مطابقاً للتعامل مع الجولاني، وتدعمه أمريكا معه الآن.

 العمليات الجديدة التي يقودها الجولاني أتت في سياق تفاعلات العلاقات المتينة بين تركيا والجولاني، الذي تحوّل إلى ذراع تركية في مناطق سيطرته، حيث عملت أنقرة خلال الأعوام الخمسة الماضية على تسويقه على أنه «معتدل»، بعد إعلانه فكّ ارتباطه بـ«القاعدة»، كما أنشأت معه شراكات أمنية واقتصادية لتصريف ما تنهبه وعملاؤها من الخيرات السورية فشملت هذه الشراكة عمليات توريد وتوزيع للمحروقات وأعمال بناء وغيرها. في المقابل، أخذ الجولاني على عاتقه مهمّة تصفية فصائل إرهابية كان حليفها حتى وقت قريب، بل وقاتل عناصرها تحت إمرته في مناطق عدّة، وذلك سعياً منه للانفراد بالسلطة في مناطق سيطرته، وتنفيذاً للأوامر التركية التي تخشى تسرّب تلك الفصائل إلى أراضيها من جهة، وتسعى إلى الظهور أمام موسكو بأنها تقوم بـ«عزل الإرهابيين» من جهة ثانية. وعلى الرغم من كون الحملة الأخيرة التي ينفّذها الجولاني ستمهّد الأرض أمام تركيا لفتح طريق حلب – اللاذقية، إلّا أن ثمّة شكوكاً حول مدى قبول القيادتين السورية والروسية بهذه المعادلة التي تقتضي فتح الطريق واستمرار إشراف تركيا عليه، بعدما رفضتاها العام الماضي عندما خاض الجيش السوري معارك عنيفة مع الجيش التركي الذي كانت تؤازره «هيئة تحرير الشام»، التي الإرهابية للسيطرة على طريق حلب – دمشق (M5)، وانتهت بانسحاب تركيا من الطريق بعد تعرّضها لخسائر بشرية كبيرة، ليسيطر الجيش العربي السوري عليه ومن ثم يتم فتحه.

 والأمر الأهم أن العملية الجديدة للجولاني سبقتها سلسلة لقاءات عقدها الإرهابي العراقي «أبو ماريا القحطاني»، القيادي في «هيئة تحرير الشام»، مع مسؤولين من فصائل إرهابية سوريّة تعمل تحت قيادة تركيا في مناطق شمالي سورية وشمال شرقيّها، لترتيب عمليات اندماج تسعى أنقرة إلى إتمامها خلال الفترة المقبلة، بهدف توحيد السلطة في مناطق احتلالها في سورية من جهة، ودمج «هيئة تحرير الشام» في مشاريع أخرى لتلميع صورة الجولاني من جهة ثانية، الأمر الذي يعتبره الأخير فرصة لمدّ نفوذه إلى مناطق إضافية.  كذلك، تثير حملة «تحرير الشام» تساؤلات عديدة حول مصير الإرهابيين الذين يقرّرون الانسحاب، والأماكن التي ستقوم تركيا بنقلهم إليها، خصوصاً أن الاتفاق الذي قبل به الشيشاني يقضي بخروجه ومقاتليه من سورية، ما قد يولّد مخاطر على مناطق أخرى، سواءً في ليبيا التي عملت أنقرة على إرسال مرتزقة وإرهابيين إليها، أو حتى أفغانستان، الأمر الذي سيمثّل تهديداً لروسيا.

Related posts

بابا الفاتيكان يندد بمقتل أطفال غزة في قصف إسرائيلي

المقاومة اللبنانية تستهدف بصواريخ الكاتيوشا قاعدة بيريا للعدو الصهيوني

بوريل يتفقد معبر رفح الحدودي بعد اجتماعه بالرئيس المصري السيسي