قسد لم تتعظ مما حدث في تل أبيض وعفرين وتمهد الأجواء لاحتلال تركي في حال انسحاب أمريكا

رأي                                                احمد بدور

 رغم ما جلبه تعنت الميليشيا العميلة لأمركا من احتلال تركي لعفرين، وتل أبيض، وعدد من المناطق في شمال سورية، لم تتعظ هذه الميليشيا غير الشرعية، وما تزال تتصرف نفس التصرفات التي أدت إلى هذه الاحتلالات في حينها.

 فلا يحتاج الأمر إلى مزيد من التفكير وعصر الدماغ للاستدلال بأن أمريكا عندما انسحبت من تلك المناطق في حينها، كانت قد مهدت الأجواء المناسبة لاحتلال الأتراك لها، وقد ساعد تعنت قسد حينها بعدم السماح بوصول قوات الجيش العربي السوري إلى تلك المناطق لحمايتها، وتصرفاتها الأخرى على إعطاء الذريعة لأردوغان الطامع بالشمال السوري وبجواره العراقي للبدء في تنفيذ أحلامه العثمانية الاستعمارية، والتي تشاركه فيها الأغلبية الساحقة من النخبة السياسية التركية بشكل أو بآخر.

 في الآونة الأخيرة وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، كثر الحديث عن انسحاب من سورية، ويبدو أن هذا الأمر تعيه قسد وتتصرف على أساسه وإن كانت تنكر ذلك علنا، فقد بدأت مساعي لدى الروس والأمريكيين لترتيب الأجواء لما بعد الانسحاب، وعلى هواها الذي سيتسبب في تغذية الأحلام الأردوغانية الاستعمارية مجددا، ومن ضمن هذه المساعي أجرى وفد من قيادة ما يسمى «مجلس سورية الديمقراطية» و«الإدارة الذاتية» الكردية، زيارة إلى موسكو قبل نحو أسبوعين، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين روس، على رأسهم المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأدنى، ميخائيل بوغدانوف، وبحث جملة مواضيع أبرزها ما يلي: احتمال شنّ الأتراك هجوماً جديداً على المنطقة وسبل الحيلولة دونه، تحديد شكل الانتشار العسكري في المنطقة الشرقية في حال انسحاب الأميركيين، وإعادة إطلاق الحوار مع الحكومة السورية، تحت رعاية روسية. وبالتوازي مع ذلك، أجرى وفد مشابه من قيادة «مسد» و«الإدارة الذاتية» زيارة إلى واشنطن، التقى خلالها عدداً من أعضاء «الكونغرس»، واستطلع إمكانية استمرارية الدعم الأميركي لـ«قسد»، ومصير التواجد العسكري الأميركي في الشرق السوري.

بدأت تدور نقاشات حول شكل التسوية التي يمكن أن تبصر النور بين القوى الكردية والحكومة السورية

  الزعامات الكردية التي اعتادت على تكرار الأخطاء القاتلة نفسها تتذاكى على الجميع ومازالت ترفض مقاربة المشهد في سورية من زاوية ما حدث في أفغانستان، إذ يَعتبر مصدر مقرّب من دوائر القرار في «قسد»، في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن «الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يشبه بشكله ومضمونه، الواقع الحالي للوجود الأميركي في شمال وشرق سورية»، مبرّراً توصيفه المتقدّم بالزعم بأن «قسد قوّة استطاعت هزيمة داعش، على عكس حكومة أفغانستان التي سقطت خلال أيام معدودة أمام زحف طالبان»،- رغم معرفة العالم كله أن الأمر كان استلام وتسليم تحت النار بتخطيط وقيادة أمريكية – مضيفاً أن «قسد قوة عسكرية قاتلت الإرهاب والتطرّف قبل الحضور الأميركي، وستستمرّ في ذلك حتى لو حصل انسحاب أميركي»، متحدّثاً عن أنهم «حصلوا مؤخراً على تطمينات أميركية بعدم وجود نيّة لانسحاب مفاجئ، وأن الانسحاب الأميركي مرتبط بالاستقرار التامّ عبر عملية سياسية شاملة».

 ويدعي المصدر إلى أن «قسد تملك مقوّمات الصمود العسكري في حال حصل أي انسحاب، لوجود إدارة ذاتية ومجلس سياسي قادر على خوض جولات حوار تفضي إلى توافق سوري ـــ سوري على شكل الحلّ السياسي في المنطقة»، مؤكداً وجود «اتصالات تجريها القيادة الكردية مع الأميركيين والروس، لتحريك ملفّ الحلّ السياسي والتوصّل إلى تفاهمات تضمن حلاً عادلاً يقدّر تضحيات قسد على مدار سنوات الحرب».

ما بعد الانسحاب

 وفي هذه الأحيان بدأت تدور نقاشات بين المراقبين والسياسيين حول شكل التسوية التي يمكن أن تبصر النور بين القوى الكردية والحكومة السورية. وفي هذا الإطار، يعود مفهوم «اللامركزية» ليتصدّر الجدل، خصوصاً بعدما تحدّث عنه السيد الرئيس بشار الأسد، بشار الأسد، في خطابه الأخير أمام الحكومة الجديدة. لكن حتى الآن، لا يبدو أن ثمّة اتفاقاً على ماهية هذا المفهوم وآلية تطبيقه؛ فبينما ترى «قسد» أن اللامركزية المطلوبة ليست «سياسية» فقط، بل ثقافية واجتماعية أيضاً، يوضح مسؤولون حكوميون لصحيفة الأخبار أن الرئيس الأسد كان يقصد في حديثه «اللامركزية الإدارية» المنصوص عليها في قانون الإدارة المحلية رقم 107، والذي تمّ تعديله في بداية الأحداث في سورية.

 وكان الرئيس الأسد قد أعطى التوصيف الحقيقي لقسد ومسد ومن يتبعها بوصفهم «بالعمالة والانعزال»، مما أزعجهم إلّا أنهم وبحسب مصادر «قسد»، بدأوا في الواقع يبنون عليه تحرّكات واتصالات، إذ يقولون:«(إننا) لن نوقف السعي للتوصّل إلى اتفاق»، وفق المصادر نفسها.

 وإذ تلفت مصادر هذه الميليشيات إلى أن «الخوف من الفوضى التي من الممكن أن تحدث بعد الانسحاب الأميركي، يدفع قسد إلى محاولة توسيع تفاهماتها مع الروس حول مستقبل المنطقة»، فهي تقرّ بأن ذلك «لا يعوّض غياب الاتفاق مع الحكومة السورية»، مستدركة بأن «لا حوار يجري حالياً مع الحكومة السورية، وأن قسد طلبت في الأيام الأخيرة من الروس تفعيل الحوار».

 وقد نسبت صحيفة «الأخبار» اللبنانية إلى مصدر حكومي، قوله في حديث إليها ، إن «اليقين الحكومي الثابت هو أن الوجود الأميركي غير الشرعي ليس دائماً وسينتهي عمّا قريب»، مضيفاً أن «التاريخ يثبت أن واشنطن تتخلّى عن حلفائها وتتركهم لمواجهة مصيرهم، كما حصل في فيتنام وأفغانستان».

 ويعتبر المصدر أن «ميليشيا قسد لا تتّعظ من الدروس»، وإن «إصرارها على التحالف مع الاحتلال الأميركي، وابتعادها عن الدولة السورية، يمنح فرصة للاحتلال التركي لمهاجمة المنطقة واحتلال مزيد من الأراضي فيها، في حال انسحب الأميركيون». ويرى أن «الولايات المتحدة لا تريد الخروج من المنطقة قبل التأكد من تهيئة كلّ الظروف لاحتلالها من قِبَل تركيا، كما حدث في تل أبيض ورأس العين، وهو ما تساعده عليه عملياً قسد التي تضع الشروط المستحيلة في أيّ حوار مع دمشق».

 ويصف المصدر «قسد بالميليشيا الخارجة عن القانون، والتي تسرق وتنهب خيرات البلاد من نفط وقمح ومختلف الموارد الاقتصادية، لتكون مساهِمة بشكل كبير في تطبيق قانون قيصر الأميركي، ومنع أيّ تحسّن اقتصادي»، مكرّراً دعوتها إلى «فكّ ارتباطها بالأميركيين والانخراط في حوار وطني إيجابي يُسهم في التوصّل إلى تفاهمات تعيد الدولة السورية إلى كامل الجغرافيا التي توجد فيها هذه الميليشات، وتنزع أيّ ذرائع تركية لاحتلالها».

 وهكذا تكرر الزعامات الكردية نفس الأخطاء التي تضر بأبناء المكون الكردي قبل غيره، وتعرض وحدة وسيادة الوطن للخطر، فهل تفكر هذه المرة ولو للحظة بما جلبته لمنطقتها من مآس، وللوطن من أضرار جسيمة، فتتعظ وتعود إلى الوطن!!!؟؟؟.

Related posts

الجبهة الطلابية الأمريكية مستمرّة في مظاهرات استنكار مجازر غزة

استشهاد 66 فلسطينياً وإصابة مائة آخرين بجراح في مجزرة جديدة للاحتلال الصهيوني في جباليا

لبنان.. استشهاد شخصين بغارات صهيونية على بلدتي رومين وبيت ليلف