كان الوضع في سورية وخاصة تواجد المنظمات الإرهابية في إدلب في لب مباحثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في قمتهما الأخيرة في سوتشي حيث عقدا اجتماعاً استغرق ساعتين و45 دقيقة، وجهاً لوجه من دون حضور مسؤولين آخرين ووراء أبواب مغلقة، ومن دون إدلائهما بتصريحات للصحافيين في أعقابه.
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية للأنباء عن أردوغان قوله إن «الإجراءات التي اتخذتها هاتان الدولتان في ما يتعلق بالشأن السوري. لها أهمية كبيرة. والسلام في سورية يعتمد أيضاً على العلاقات الروسية- التركية». وتابع: «أعتقد أن تعزيز العلاقات بين روسيا وتركيا له فوائد كبيرة».
هذا وقد جاء لقاء أردوغان بوتين في ظلّ تحوّلات متسارعة في المنطقة عموماً، وفي الملفّ السوري خصوصاً، ربّما تدفع نحو إيجاد تسويات نهائية للشمال السوري، وخصوصاً منه محافظة إدلب. وما يعزّز احتمالات النجاح في ذلك هو أن سورية أصبح لديها نقاط قوّة إضافية، تستطيع موسكو استخدامها بوجه أنقرة، فيما الأخيرة تشوب علاقاتها بحليفتها واشنطن مشاكل كثيرة، وتجد حاجتها ملحّة إلى تمتين صلاتها بالروس. وإذا ما أُرسيت بالفعل «تسوية إدلب»، ولاسيما لناحية فتح طريق «M4»، تكون سورية قد خطت خطوة إضافية على طريق استعادة كامل أراضيها، توازياً مع جنيها ثماراً سياسياً أظهر جانباً منها اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة
ويأتي الاجتماع الجديد بعد أكثر من عام ونصف عام على قمّة مشابهة جمعت الرئيسَين في سوتشي (آذار 2020)، عندما سافر إردوغان إلى روسيا بعد تصادم عسكري بين جيشَي البلدَين على تخوم إدلب، خلال عمليات للجيش السوري استهدفت فتح طريق حلب – دمشق (M5) بالقوة، بعد أن نكثت أنقرة بتعهّداتها وفق «اتفاقية سوتشي» المُوقَّعة مع موسكو عام 2018، حيث تمكّن الجيش العربي السوري آنذاك من السيطرة على الطريق، فيما استهدفت طائراته قافلة تركية في منطقة بليون في إدلب، ما أدّى إلى مقتل وإصابة أكثر من 150 جندياً تركياً. وانتهت تلك القمّة، التي استمرّت أكثر من ستّ ساعات، بإضافة بروتوكول إلى «اتفاقية سوتشي»، تعهّدت بموجبه تركيا بفتح طريق حلب – اللاذقية (M4)، وإقامة منطقة خالية من الوجود المسلّح بعمق يسمح بتأمين الطريق، وعزل الفصائل المعتدلة عن الفصائل المتشدّدة وفق جدول زمني محدّد، وهو ما لم تَقُم به حتى الآن، الأمر الذي دفع موسكو إلى التذكير مراراً بعدم إيفاء أنقرة بتعهّداتها، ما أنذر بإمكانية تكرار سيناريو «M5»، وهو ما لا ترغب فيه تركيا.
اللقاء الجديد كان من المفترض أن يُعقد الشهر الماضي، إلّا إنه وحسب مراقبين فإن بعض النقاط الخلافية بين روسيا وتركيا حول قضايا تتعلّق بأوكرانيا وملفات أخرى، تسبّبت بتأجيله، ليأتي الموعد الأخير على عجالة تركية بعد ارتفاع منسوب التوتّر السياسي بين أنقرة وواشنطن، على خلفية شراء الأولى منظومة «S400» الروسية للدفاع الجوي، وإخراجها من برنامج إنتاج مقاتلات «F35» والذي كانت تنتظر تركيا أن تحصل عليها، وهو ما ذكره صراحة إردوغان خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
واللافت في التصريحات التركية الجديدة، بالإضافة إلى ارتفاع حدّة الهجوم على واشنطن واتهامها بدعم مَن سمّاهم الرئيس التركي «إرهابيين» (في إشارة إلى قوات سورية الديموقراطية الكردية)، إعلان أنقرة عزمها شراء منظومة «S400» جديدة في تحدٍّ مباشر لواشنطن التي تَعتبر أن هذه المنظومة تشكّل خطراً على حلف «الناتو»، في وقت تتعلّل فيه تركيا برفض تزويدها بمنظومة «باتريوت» الأميركية، وبامتلاك دول أعضاء في «الناتو» (أوكرانيا مثلاً) منظومات دفاع جوي سوفياتية بينها «S300»، من دون أن تتّخذ الولايات المتحدة أو «الناتو» ضدّها أيّ إجراءات.