رأي احمد بدور
حكاية مأساة طويلة بدايتها مع بداية الحرب على سورية، حيث حركت أمريكا عملاءها التاريخيين من الزعامات الكردية، التي تدعي العمل على حماية المكون الكردي والحفاظ على حقوقه، وهي في الواقع تنفذ تعليمات أمريكا وإسرائيل حرفيا، فمنذ تمدد الفصائل الإرهابية وسيطرتها على مساحات واسعة في الجزيرة السورية، تداعت تلك الزعامات إلى تشكيل ميليشيات مسلحة بدعوى حماية المكون الكردي من هذه الفصائل، ومن تركيا الطامعة بالشمال السوري، ومن «النظام» وتدرجت التسميات حسب الأجواء من «وحدات حماية الشعب الكردي» إلى «وحدات حماية الشعب» ثم إلى «قوات سورية الديمقراطية» ومختصرها «قسد»، بعدما أغرت بعض المضللين والمنتفعين من المكونات الأخرى للانضمام إليها، فكانت النتيجة تسليم منطقة عفرين، وعدة مناطق أخرى للمحتل التركي، بدون أي مقاومة تذكر.
أما المسرحية الأكثر إبهارا هي أن مجموعة من مقاتلين لا تصل أعدادهم إلى مستوى واحد بالمائة من وحوش داعش، استطاعت التغلب على أولئك الوحوش وتحرير مناطق شاسعة من سيطرتهم لا يمكنها في حال السلم اجتيازها، والانتشار فيها خلال مدة الاستلام والتسليم التي تمت بين الجانبين، طبعا تحت الرعاية الأمريكية وتحالف محاربة داعش المزعوم، المهم في الأمر أن الاستلام والتسليم تم للمناطق التي تحتوي الثروات السورية من نفط وغاز وقطن وقمح ولإكمال مسرحية البطولات المزعومة تبجحت هذه المجموعة المسماة «قسد» بأنها ستصد أي دخول تركي إلى الأراضي التي تسكنها مجموعات كردية كبيرة، وأكبر تجمع هو قضاء عفرين بخيراته الوافرة وخاصة الزيتون، وما أن حشدت تركيا قبالة القضاء حتى تنصل الأمريكيون من وعدهم بحماية الأكراد وأعلنوا أن عفرين ليست ضمن مهام عملهم وهكذا أعطيت الذريعة للص السياسة في المنطقة رجب طيب أردوغان لاحتلال عفرين بذريعة منع تشكل شريط كردي على الحدود مع بلاده، ومن المؤكد أن هذا دوره كأحد أطراف المسرحية التي تتحكم فيها أمريكا، والمضحك المبكي أن من ادعوا تحرير مساحات شاسعة من داعش لم يصمدوا أمام مجموعات صغيرة متناحرة فيما بينها من القتلة واللصوص، ممن جمعهم أردوغان تحت مسميات متعددة وقوات إسناد قليلة العدد من الجيش التركي، لا في عفرين، ولا في الباب، ولا في تل ابيض، ولا في غيرها من المناطق التي تحتلها تركيا حاليا ولو ليوم واحد أو يومين، بل تكررت مسرحية الاستلام والتسليم، مع اختفاء طرف، هو داعش وحلول أردوغان محله كمستلم، لا كمسلم، وانتقال قسد من المستلم إلى المسلم صاغرا، لمناطق كبيرة من تلك التي استلمتها من داعش، لتحتلها تركيا مباشرة أو بأذرعها الإرهابية في سورية.
بعد هذه المسرحيات استقر الوضع في الجزيرة على الشكل التالي أمريكا تحتل علنا باسم قسد منابع النفط والغاز، وحقول القمح، وتنهبها علانية بلا حسيب ولا رقيب، متذرعة بمحاربة إرهاب صنعته، وقسد التي تدعي أنها تعادي كلا من تركيا والنصرة، وتحمي المكون الكردي، وهي التي جعلت الحياة في مناطق سيطرتها لا تطاق، حيث الغلاء، والسرقة، والنهب، ومنع الطلاب من التعليم بعد الاستيلاء على المدارس، وتركيا وأذيالها وأشهرهم تنظيم النصرة الإرهابي بمسمياته الكثيرة والمستجدة، الذين يحتلون إدلب، وعفرين، والباب، ومناطق أخرى ، بدعوى منع تشكيل كيان كردي مستقل، هذا ما تعلنه هذه الأطراف أمام من يغررون بهم للقتال أما سرا فالأمر يختلف!!.
علاقات اقتصادية واسعة وتجارة بينية مستمرة
هذه الأطراف تركيا، وأمريكا، وقسد، والنصرة، يشكلون عصابة تسرق النفط، والغاز، والقمح، والقطن، كل بطريقته، وبالتعاون فيما بينهم جميعا، فمثلاً يبدو تنظيما «قسد» و«النصرة» متخاصمَين في كلّ شيء إلّا في التجارة البينية، التي تشهد ازدهاراً مرعيّاً مباشرة من قِبَل الجانب التركي، بما يضمن للأوّل تدفّقاً مالياً مستمرّاً على خزائنه، ويؤمّن للأخير ما يلزمه من محروقات لتحريك آلياته بشكل دائم، وبأسعار «تشجيعية».
وحسب تقارير مؤكدة نشرتها صحف عربية فإن حالة العداء المزعومة بين من تسمي نفسها «قوات سورية الديمقراطية» باسمها المختصر «قسد»، والفصائل المسلّحة الموالية لتركيا، لا تمنع ازدهار عملية تبادل تجاري بينهما، تشمل النفط الخام والمشتقّات المكرّرة وحتى البشر، الذين يُهرَّب الواحد منهم بـ200 دولار أميركي. عبر معبرَي العون وأم جلود، حيث تمرّ القوافل الخارجة من حقول الشرق السوري نحو مناطق تسيطر عليها الفصائل التابعة لتركيا وخاصة النصرة، ابتداءً ممّا يسمّى «أسواق المازوت» القائمة في قرى جنوب مدينة جرابلس، حيث تُنقل المواد النفطية إلى مدينة عفرين، ومنها إلى أسواق محافظة إدلب، التي تسيطر عليها «جبهة النصرة»، المتحكّمة بالعمليات التجارية كاملة في مناطق سيطرتها. ولم تتوقّف تلك الحركة عبر المعبرَين المذكورَين إلّا في ثلاث مناسبات: الأولى في شهر شباط من عام 2018 بسبب الهجوم التركي على مدينة عفرين، في عملية أُطلق عليها مسمّى «غصن الزيتون»، والثانية خلال العملية التركية الثانية ضدّ «قسد» والتي حملت اسم «نبع السلام» في تشرين الأول من عام 2019، والمرّة الثالثة كانت جزئية بسبب انتشار جائحة «كورونا» في المناطق الخاضعة لسيطرة كلّ من الطرفين (قسد – تركيا).
وتمثّل المشتقات النفطية والمواد الزراعية (قمح – شعير) أكثر المواد عبوراً من الشرق السوري نحو جرابلس، في حين تُنقل الأجهزة الإلكترونية والمواد الغذائية المعلّبة من التصنيع التركي إلى مناطق محافظة الرقة. وليست ثمّة إحصائية دقيقة لحجم التبادل التجاري من خلال المعبرَين اللذين يُعدّان من أهمّ شرايين التمويل بالنسبة إلى «قسد»، بينما تُعتبر «النصرة» أحد أبرز زبائن النفط ومشتقّاته المنقولة من الشرق السوري، إذ يعتمد هذا التنظيم الإرهابي على شركة «وتد» المرخّصة في الأراضي التركية على أنها شركة سورية تعمل على استيراد النفط الأوكراني إلى شمال غرب سورية، فيما غالبية البضائع التي تحصل عليها هذه الشركة هي من المحروقات المكرَّرة بشكل بدائي أو غير آمن من خلال حراقات كهربائية تنتشر بالقرب من مدينة سرمدا، التي تحوّلت إلى «عاصمة» للنشاط التجاري لـ«النصرة».
وبينما تشهد مناطق سيطرة «قسد» أزمة في تأمين المحروقات، في ما يَعدّه السكّان المحلّيون متعمّداً لإجبارهم على قبول رفع الأسعار الذي كانت قد تراجعت عنه «الإدارة الذاتية» بفعل التظاهرات التي خرجت في مناطق متفرقة من محافظة الحسكة قبل شهرين من الآن، تُتابع القوافل النفطية اجتياز المعابر نحو «أسواق المازوت» بسعر لا يزيد عن 400 ليرة سورية لليتر الواحد من المازوت، ونحو 600 ليرة للبنزين. وتُباع هذه المواد في أسواق محافظة إدلب بالليرة التركية التي يصل سعر صرفها إلى 394 ليرة سورية. وبحسب نشرة الأسعار التي نشرتها «وتد» في الـ20 من الشهر الحالي، فقد كان سعر المازوت 4.4 ليرات تركية، أي ما يعادل 1733 ليرة سورية لليتر الواحد، فيما يصل سعر ليتر البنزين إلى 6.85 ليرة تركية لليتر الواحد (2690 ليرة سورية)، وهذا ما يحقّق ربحاً للشركة يصل إلى أربعة أضعاف رأس المال.
ويُعدّ تعامل كلّ من الحكومة التركية و«قسد» مع شركة «وتد» العاملة لصالح «جبهة النصرة» في ريف إدلب، خرقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2219 الصادر في شباط من عام 2015 والخاص بـ«تجفيف منابع الإرهاب». وإن كانت «قسد» لا تعدّ جهة يمكن محاسبتها وفقاً للقوانين الدولية، فالحكومة التركية ملزَمة بتطبيق قرارات مجلس الأمن كونها دولة عضواً في الأمم المتحدة أولاً، ومنخرطة ـــ ظاهرياً ـــ في عملية محاربة الإرهاب في سورية، على رغم أن الواقع يثبت العكس. ولا تعترف «قسد» بأن ما تنقله من بضائع إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية يصل إلى أسواق «النصرة»، فيما يقوم الخطاب الإعلامي المتبادل بين الطرفين على الكراهية المعلَنة، من دون أيّ تلميح من قِبَلهما إلى وجود تعاون تجاري عميق، يحافظ على بقاء «النصرة» قادرة على تأمين ما يلزمها من محروقات لتحريك آلياتها، ويضمن تدفّقاً مالياً مستمرّاً لخزائن «قسد». هذه هي لعبة اللصوصية التركية الأمريكية لنهب خيرات سورية بأيدي عملاء محليين من إرهابيي النصرة وقسد، وهي تطبيق حرفي لنظرية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما «القيادة من خلف» فأمريكا تقود الجميع من خلف دون أن تتكلف بالمخاطرة ولو بحياة جندي واحد، والسؤال الأهم أين الأمم المتحدة عن تمويل الإرهاب المفضوح!!؟؟. وأين من فلقوا أدمغتنا في الحديث عن حقوق الشعب السوري!!؟؟، أ ليست هذه اللصوصية تنتقص من حقوقه!!؟؟.