سورية في واجهة الحدث،مكرهون على الانفتاح، فهل يكون ذلك فاتحة لفك الحصار؟

رأي                                                احمد بدور

الزيارة الرسمية لعدد من الوزراء اللبنانيين بعد انقطاع لأكثر من عشر سنين، والاجتماع الرباعي في عمان شكلا ثغرة في الجدار السميك من الحصار المفروض على سورية، الذي طبقه الأقربون أكثر مما التزم به الأعداء، منهم من التزم عن قصد مقابل مغريات مادية ضخمة، ومنهم من نفذه عن حقد، ومنهم من التزم خوفا من العصا الأمريكية الغليظة، التي تلوح في وجوههم ليل نهار، لكن هذه الثغرة هل هي طفرة وتنتهي؟، أم يتبعها انهيارات في جدار الحصار حتى يتلاشى؟.

 على ما أعتقد، إنه إذا ما تمعنا بما يجري حولنا من تطورات وتلاعب بالحقائق يبقى الأمل ضعيفا في أن تكون هذه الثغرة فاتحة انهيار للحصار، لكنها تبقى مهمة جدا لأنها اثبتت أن الجغرافيا، والثبات على الموقف تعطي أكلها ولو بعد حين، فالأمريكيون هم من اقترحوا إيصال الغاز المصري عبر الأردن وسورية إلى لبنان، والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية، وذلك ليس حبا بسورية ولا بشعبها، ولا بدولتها، ولا حبا بلبنان، ولا بشعبه ولا بدولته، وإنما لتلافي الأسوأ بالنسبة لهم، أي مد لبنان بالغاز والمازوت والبنزين من إيران، فلو تم ذلك وأصبح الاعتماد اللبناني كليا على الموارد الإيرانية، سيتضخم النفوذ الإيراني في لبنان، وسيظهر عملاء أمريكا في لبنان – وهم كثر ولا يخفون تعاملهم – سيظهرون بمظهر الذليل الذي يعتاش على من يهاجمهم ليلا نهارا سواء إيران، أم حزب الله، وسينكشف مدى ضيق تفكيرهم أمام اللبنانيين والعالم، وهذا ليس في مصلحة أمريكا ولا في مصلحة إسرائيل أيضا، وفي حال محاولة أمريكا أو إسرائيل منع ذلك بالقوة سيصطدم من يحاول منهما بالقوة الصاروخية الهائلة لحزب الله، وقد تنجر المنطقة كلها إلى حرب ليست في مصلحة أحد، وهكذا اختار الأمريكيون أهون الشرين بالنسبة لهم، أي الحل عبر سورية مع ما تعنيه خطوة إقدام أمريكا بالذات على فك الحصار الذي تفرضه هي على سورية ولو جزئيا، ومع إثبات الأهمية القصوى لسورية في أي عمل عربي مشترك.

 اتفاقية تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سورية ليس أمراً مفاجئاً، وإنما سبق ذلك تمهيد ومحادثات مطوّلة، لعب فيها الأردن الذي يعاني من أزمات اقتصادية دوراً محورياً، بتولّيه المباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية للتوصّل إلى تفاهم على تمرير هذه الاتفاقية، عبر الالتفاف على عقوبات «قيصر» بالشراكة مع مصر التي تسعى بدورها لاستكمال سلسلة مشاريعها المتعلّقة بالطاقة، من بينها الاتفاق المصري ـــ العراقي ـــ الأردني. وقد شكّلت سورية أحد أبرز المحاور التي ناقشها الملك الأردني، عبد الله الثاني، خلال لقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن قبل نحو شهرين.

 وهكذا فقد لعبت تقاطعات سياسية واقتصادية وجغرافية عديدة دوراً مهمّاً في إعادة سورية إلى الواجهة، وهو أمر رحّبت به القيادة السورية، سواءً لأهداف اقتصادية أو لدوافع تتعلّق بلبنان الذي تتداخل وتتشابك قضاياه مع القضايا السورية بشكل كبير، ما يعني أن أيّ أزمة يعاني منها لبنان ستصل آثارها بشكل مباشر إلى سورية. وقد عبرت مصادر عن الرؤية السورية حول ذلك وهي تتمثل في أن «سورية تَعتبر أيّ عمل عربي مشترك جزءاً من رؤيتها الإستراتيجية، سواءً أفضى هذا العمل إلى انفتاح سياسي أو اقتصر على مشاريع اقتصادية تستفيد منها الدول العربية، ومن بينها سورية، مع إدراك أهمية الدور السوري في المنطقة والذي يفرضه الموقع الجغرافي المهم الذي تحتلّه على الخريطة الاقتصادية والسياسية».

 ولذلك ومن خلال رؤية سورية للعمل العربي المشترك رحبت باتفاقية إمداد لبنان بالطاقة منذ طُرح المشروع قبل أشهر عدّة، خصوصاً أن هذه الاتفاقية تُعتبر بشكل أو بآخر استكمالاً لمشروع الغاز الذي تمّ تنفيذه مطلع الألفية الجديدة، وخرج إلى النور قبل اندلاع الحرب السورية، وتوقّف نتيجة أزمات داخلية مصرية، تبعتها أزمات داخل سورية. لكن اعتبار هذا التطوّر بوّابة لانفتاح عربي كامل هي قراءة متعجّلة لا يمكن تبنّيها في الوقت الحالي، فالإطار البارز حتى الآن هو إطار اقتصادي، علينا انتظار آثاره الاقتصادية على الداخل السوري وعلى الدول المستفيدة، خصوصاً أنه يأتي في وقت تعاني فيه سورية من أزمة طاقة وحصار أميركي خانق.

 والنتيجة هي أنه وحسبما ظهر حتى الآن يمكن القول إن ما يجري هو اتفاق اقتصادي عربي يكسر العقوبات الأميركية، ويمثّل إفادة للدول المعنيّة، ويعيد إلى دمشق دورها الاقتصادي الذي جرت محاولة تغييبه، كما يمثّل بوابة جانبية لحلحلة بعض الملفّات الداخلية في سورية، سواءً المشاكل الأمنية في المنطقة الجنوبية أو الأضرار التي طالت البنية التحتية والتي ستشكّل محور اهتمام الدول الأربع (أطراف الاتفاقية) خلال اللقاءات المقبلة، لبحث سبل ترميمها في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة على سورية.

Related posts

الجبهة الطلابية الأمريكية مستمرّة في مظاهرات استنكار مجازر غزة

استشهاد 66 فلسطينياً وإصابة مائة آخرين بجراح في مجزرة جديدة للاحتلال الصهيوني في جباليا

لبنان.. استشهاد شخصين بغارات صهيونية على بلدتي رومين وبيت ليلف