الجفاف والغلاء يفتكان ، فهل تنقرض الماشية في سورية

تحقيق                                                                       إعداد: م جهاد الحمصي

 اجتمع خطران محدقا بالثروة الحيوانية في سورية هما الحرب التي مضى عليها عشر سنوات حتى الآن والجفاف الذي ضرب البلاد هذا وإذا ما أضفنا الغلاء الفاحش في أسعار الأعلاف نشعر بالخطر المحدق بالثروة الحيوانية التي توحي المؤشّرات الرسمية بانخفاض حادّ في أعدادها، التي طاولتها ظروف الحرب في السنوات الماضية، وجاء موسم الجفاف هذا العام، ليضاعف الخطر باحتمالية تسجيل تناقص إضافي، يشكل تهديداً حقيقياً لوجود المواشي، في ظلّ محاولات حكومية مستمرّة لتلافي الكارثة لم تثمر تنفيذا مؤثرا حتى الآن.

 وقد سجّلت الإحصاءات الرسمية الحكومية تناقصاً كبيراً في أعداد الثروة الحيوانية في سورية، والتي كانت تسهم قبل الحرب على البلاد، بنسبة 39% من الناتج الإجمالي لقطاع الزراعة، وهو ما شهد تحوّلات خطيرة خلال عشرية الحرب، ما يهدّد بنتائج كارثية. وكانت البلاد تمتلك نحو 18,8 مليون رأس غنم، و819 ألف رأس من الأبقار، في عام 2016، بقيمة تتجاوز الـ3,2 مليارات دولار، وهي قيمة انخفضت إلى أقلّ من 50%، نتيجة فقدان أعداد كبيرة من المواشي، وفق تقرير صادر عن منظمة «الفاو» الدولية. وقد أكد وزير الزراعة حسّان قطنا، في تصريحات إعلامية، أن «هناك مؤشّرات بخسارة نحو 50% من الثروة الحيوانية من الأغنام والأبقار في البلاد، نتيجة تهريبها أو نفوقها»، مؤكداً «وجود مساعٍ حكومية، بدعم هذا القطاع والنهوض به».

 ما تعرف بالإدارة الذاتية نهبت أغلبية المخزون العلفي

وتدعم الحكومة، عادةً، مربّي الثروة الحيوانية بدورات علفية بأسعار رمزية، وهو ما كان يشكّل دعماً ملحوظاً في مواسم الجفاف، وانخفاض مساحات الرعي الزراعية، إلا أن سيطرة «الإدارة الذاتية» الكردية على مراكز الأعلاف، واستيلاءها على كميات كبيرة من المواد العلفية، جعلا من الدعم الحكومي محدوداً. وفي هذا السياق، يقرّ مدير الزراعة في الحسكة، رجب السلامة، بـ«وجود خطر كبير يهدّد الثروة الحيوانية في الجزيرة السورية، في حال استمرّ موسم الجفاف، عاماً إضافياً»، مؤكداً أن «هذا العام، هو من المواسم الصعبة على مربّي الماشية، بسبب انحباس الأمطار، والغلاء الكبير في أسعار الأعلاف». وينفي السلامة «وجود أي عمليات ذبح كبيرة أو عشوائية لقطعان الماشية»، لافتاً إلى أن «الأمور لا تزال في إطار محدود، ولم تتجاوز مرحلة استغلال انخفاض أسعار المواشي، بغرض التجارة». ويكشف عن «دعم المربّين بدورة علفية قريبة، وذلك ضمن ما هو متوفّر من كميات في مركز الثروة الحيوانية في القامشلي»، مبيّناً أن «خروج مراكز الأعلاف عن سيطرة الجهات الحكومية، أثّر بشكل كبير على تقديم الدعم للمربّين».

 يقول فايز الهزاع أحد مربي الأغنام قرية خويلد شمال شرق الحسكة، والذي ينتقل به من قرية إلى أخرى، بحثاً عن الكلأ والماء، بعد أن ارتفعت أسعار الأعلاف بشكل يفوق قدرته المادية، وتهديد أزمة انقطاع المياه في المنطقة حياة القطيع بأكمله. ويقول في حديث لإحدى الصحف اللبنانية، إن «تكلفة العلف اليومية لمائة رأس من الأغنام، باتت تصل إلى مبالغ تتُراوح بين 150 و250 ألف ليرة سورية، عدا تكاليف التحصين من الأمراض»، مؤكداً أن «معظم مربّي الثروة الحيوانية لجأوا للضمان أي استئجار بقايا المحاصيل في الأراضي الزراعية التي خرجت من الإنتاج الزراعي، لتكون علفاً لحيواناتهم». ويعتبر المربّي فايز أن «كلفته عالية كذلك، وتُراوح أيضاً بين 100 و400 ألف، يومياً، بحسب أعداد رؤوس الماشية». ويرى الرجل أن «السبب الرئيسي هو الجفاف الذي أدّى إلى شحّ في مادتَي الشعير والتبن الرئيسيتين كموادّ علفية»، كاشفاً عن «لجوء غالبية المربّين لبيع جزء من القطيع، لتأمين العلف وتربية الجزء المتبقّي».

 أما خالد الجلال، الذي اعتاد مرافقة قطيعه فيما يُعرف شعبياً بـ«الغنامة»، بحثاً عن مرعى لأغنامه، فيؤكّد أن «هنالك مخاوف من وصول الثروة الحيوانية إلى مرحلة الانقراض، في حال استمرّت ظروف الجفاف، وغياب أي دعم حكومي للمربّين لإعانتهم على تربية ماشيتهم». ويشير الجلال إلى أن «الكثير من المربّين قاموا ببيع كامل قطيعهم، بسبب عدم القدرة على التكلفة المرتفعة للأعلاف»، معتبراً أن «الخطر يكمن في الاستهلاك الكبير من الأهالي للحوم الماشية، نتيجة انخفاض سعرها بشكل كبير، بعد أن باتت عبئاً على المربّين».

 من جهته، يقول المربّي محمد العيسى، إنه «قام بشراء الشعير وتبن القمح والفول، بقيمة 33 مليون ليرة سورية، لتأمين العلف لـ250 رأساً من الأغنام، لمدّة قد لا تتجاوز الثلاثة أشهر». ويشرح بالقول: «هذا المبلغ يشكّل نحو 35 إلى 40 بالمائة من قيمة كامل القطيع»، معبّراً عن مخاوفه من موسم جفاف إضافي، سيؤدّي حتماً لانهيار أسعار المواشي، واضطرار غالبية المربّين إلى بيع قطعانهم.

 وتعترف الحكومة السورية بوجود هذا الخطر، من خلال تأكيد وزير الزراعة حسان قطنا، خلال جولة له في ريف القامشلي منذ أكثر من شهر، أن «الثروة الحيوانية في مأزق حقيقي، وتحتاج إلى دعم، ونحن جاهزون لتأمين اللقاحات، وفتح دورة علفية، لتحقيق الاستقرار لهذه الثروة».

Related posts

تمديد استيفاء البدلات التي تتقاضاها المؤسسة العامة للمناطق الحرة بالدولار أو ما يعادله بالليرات

المصرف الصناعي: التطبيقات الإلكترونية تلعب دورا حاسما في الخدمات المصرفية

أكثر من عشرة آلاف عدد المشتركين في خدمة بنك الإنترنيت لدى المصرف العقاري