من المعروف أن معاهدة لوزان الموقّعة عام 1923 كانت أساس قيام الكيان التركي بشكله الحالي، وقد اعتبرها الأتراك حينها نصرا لأنها ألغت مفاعيل معاهدة سيفر التي كانت تقسم تركيا الحالية إلى عدة دول، وتحصر الدولة التركية ببقعة صغيرة حول أنقرة، لكن الفكر التوسعي لأردوغان وحزبه الإخواني، وقبله لأغلبية الرؤساء من أمثال تورغوت أوزال جعلهم يفكرون بإحياء الميثاق الملي التركي، الذي ينص على ضم شمال سورية من البحر إلى الحدود مع العراق، وولاية الموصل العراقية إلى تركيا، لذلك يدعو عدد كبير من المسؤولين الأتراك إلى البقاء في إدلب وعفرين بذريعة حماية حدود لواء الإسكندرون السوري الذي تحتله تركيا منذ عام 1939، ومن هذا المنطلق دعا أوزال في حرب الخليج إلى احتلال شمال العراق تنفيذا لهذه الأطماع.
وقد وسّع أردوغان مفهوم «الحدود الواجب أن تكون»، لتشمل هذه المرّة شمال سورية وشمال العراق، في إطار ما يسمّى بـ«الميثاق الملّي». وتحت هذا الشعار، وليس شعار محاربة «داعش»، انطلقت العمليات العسكرية التركية الثلاث: «درع الفرات» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام»، والتي حقّقت، حتى الآن، أهدافاً كبيرة مِن مِثل احتلال قسم كبير من شمال سورية، واحتلال أجزاء من شمال العراق. ولكن يبدو أن تحقيق الأهداف يتطلّب أحياناً تغييراً في التكتيك، لا في الإستراتيجيا، ومن ذلك ما ظهرت عليه ذكرى لوزان في هذا العام لجهة خُلوّ تصريحات الرئيس التركي وشريكه دولت باهتشلي، رئيس حزب «الحركة القومية»، من تصريحات نارية، فمعاهدة لوزان في بيان أردوغان الذي صدر بمناسبة الذكرى السنوية لها، هي «الوثيقة الدولية التي صادقت على حرب التحرير الوطنية». وإذا كانت تركيا ستصبح «أقوى وأكثر استقلالا ورفاهية على الصعد كافة، الاقتصادية والعسكرية والسياسية، في عام 2023»، كما وعد، فإن ذلك مربوط بما تَحقَّق من «نجاحات» من سورية إلى ليبيا ومن شرق المتوسط إلى الحرب على الإرهاب. لم يُشِر أردوغان إلى ما يعتبره «هزيمة» كما درج على ذلك في كل ذكرى للمعاهدة، وبدا مستعدّاً لفتح صفحة جديدة مع الآخر ومدّ يد التعاون من دون استفزاز لا للخارج ولا للداخل العلماني، ربطاً أحياناً ومن المؤكد أن ه>ه المهادنة الكاذبة لها علاقة وثيقة بالحسابات الانتخابية القريبة القادمة. وهو ما أكده أيضاً شريكه باهتشلي في رسالة للمناسبة نفسها، اعتبر فيها أن لوزان كانت «التاج السياسي والدبلوماسي لحرب التحرير التركية». وردّاً على ما إذا كانت نصراً أو هزيمة، قال باهتشلي: «هل هي نصر أم هزيمة؟ بدلاً من البحث عن جواب على ذلك، يجب أن نعترف بالمعاهدة ونقدّر أهميتها فهي وثيقة افتخار ثبّتت وجود تركيا… إن المعاهدة انتصار للهلال الذي لم يسقط في فخّ مواجهة الصليب».
الجديد في اللهجة التركية بمناسبة الذكرى السنوية لمعاهدة لوزان التي صادفت يوم الرابع والعشرين من تموز الجاري، أن أردوغان لم يعد يعتبرها ذكرى حزينة، وكذلك شريكه في الحكم باهتشلي، لكن في الوقت نفسه نرى أن أردوغان اعتبر احتلال أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وإرسال جيوشه ومرتزقته إلى ليبيا لمساندة التكفيريين هناك، وتمزيق أوصال البلاد نجاحا، مما يؤكد أن هذه المهادنة اللفظية حيلة للتمكن أكثر، ومحاولة لتخفيف الانتقادات الداخلية والخارجية، لنهجه ونهج حزبه الداعم بشكل مطلق للمنظمات التكفيرية من داعش إلى النصرة إلى أخواتهما الكثر.
احمد بدور