زيارة وزير خارجية الصين إلى دمشق دلالات وآمال

 لا يمكن أن يغفل أي مراقب عن المؤشر الهام الذي أظهرته زيارة «وانغ يي» وزير خارجية الصين الأخيرة إلى دمشق، من حيث توقيتها المقصود والدقيق، ومن حيث تصريحات «يي» فالتوقيت الذي تزامن مع أداء السيد الرئيس بشار الأسد اليمين الدستورية لولاية جديدة يعبر عن التأييد الصيني الأكيد لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة رغم ما أعلنه الغرب وعملاؤه في المنطقة حولها، أما تصريحات «يي» وخاصة قوله أنه تم بحث انضمام سورية إلى «مبادرة الحزام والطريق»، فيرى اقتصاديون أنها قد تكون مدخلاً إلى علاقات اقتصادية ترقى إلى مستوى الدعم السياسي الذي قدّمته بكين لدمشق خلال سنوات الحرب.

 وفي الحقيقة إن العلاقات السورية الصينية شابها تناقض خلال الحرب التي تشن على سورية، ففي حين كان الدعم السياسي الصيني لسورية غير محدود وخاصة في مجلس الأمن، بقيت العلاقات الاقتصادية خجولة جدا، تمثلت في تبادل تجاري لا بأس به، وبمعونات إنسانية كأي معونات تقدمها الصين للدول الأخرى، فلم تنخرط الصين كما يؤمل منها في انجاز مشاريع إستراتيجية ضخمة حتى الآن بما يتماشى مع العلاقات السياسية القوية بين البلدين.

 ومن هنا يتوقع المتفائلون بدور صيني في إعادة البناء في سورية أن تفتح زيارة «يي» إلى سورية الطريق واسعا لعلاقات اقتصادية أكثر ازدهارا وشمولية وإنتاجية، ومع أن تفاصيل الاجتماع الموسّع الذي جرى في الخارجية السورية لا تزال غير معلنة، إلا أن تصريحات الوزير الصيني، التي أكّد فيها «أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزاً للتعاون بين سورية والصين بما يعمّق قدرة البلدين على مواجهة التحديات القائمة»، يمكن اعتبارها مؤشراً إلى تحوّل صريح في موقف الحكومة الصينية من التعاون الاقتصادي مع سورية، والذي بقي طيلة سنوات الحرب محصوراً بالتبادل التجاري وبعض المِنح الإنسانية والعلمية فقط، خاصة أن الوزير الصيني أبدى خلال لقائه الرئيس الأسد، «اهتمام بلاده بمشاركة سورية في مبادرة الحزام والطريق، نظراً لموقعها ودورها الإقليمي المهمّ»، وهي المبادرة التي يأمل مسؤول اقتصادي سوري، في حديثه صحفي، أن تكون «البوّابة أو المدخل لنقل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة جديدة من التعاون والاستثمار المشترك في مختلف القطاعات الاقتصادية». وبحسب المعلومات التي سربت لبعض الصحف العربية، فقد جرى خلال الاجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية السورية مع الوفد الصيني، «اقتراح مجموعة من المشاريع التي يمكن تنفيذها في إطار المبادرة، منها ما هو في مجال النقل كالربط السككي بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية، وإنشاء طريق برّي سريع يربط جنوب البلاد بشمالها، ومنها ما هو في مجال توليد الكهرباء، وكذلك في مجال استكشاف النفط والغاز، إضافة إلى إنشاء مناطق حرة صينية في سورية (حسياء، توسع اللاذقية). مع التركيز على البعد الإقليمي لهذه المشاريع، بما يتوافق مع روح مبادرة الحزام والطريق».

تفاؤل

 أوساط اقتصادية سورية تأمل في أن يشكّل الاجتماع المقبل للجنة السورية ـــ الصينية المشتركة، والمتوقّع عقده في دمشق، بدايةً جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، علماً أن آخر اجتماع عُقد للجنة المشكّلة في عام 2001، كان في بكين عام 2010. ويعزّز ذلك الأمل أن مباحثات وزير الخارجية الصيني الأخيرة، والتي غلب عليها الطابع الاقتصادي، شهدت توقيع اتفاقية مساعدات ومِنح مجانية بقيمة 100 مليون يوان صيني، لتكون بهذا خامس اتفاقية تبرمها بكين مع دمشق في إطار مساعداتها الإنسانية لسورية، والتي استُخدمت لاستقدام معدّات تصبّ في صالح تخفيف المعاناة (كهرباء، نقل داخلي/ باصات، …). ويعمل الجانب السوري حالياً على وضع قائمة من الاحتياجات، ليصار إلى تمويلها من المبالغ المتبقيّة من المِنح السابقة والمِنحة المقدّمة حديثاً، كمعالجة النفايات الصلبة، والحصول على تجهيزات صحية ودوائية، وتأمين علاجات للمكفوفين، وتجهيزات اتصالات، وغيرها. لكن الأهم هو أن يكون التركيز منصبا على بندين أساسيّين: الأول الاستفادة من إمكانية التمويل الصيني في تنفيذ مشاريع في سورية، والثاني دعوة الشركات الصينية إلى الاستثمار في البلاد. إلا أن الجميع يدرك أن كلا البندين بحاجة إلى قرار سياسي صينيّ، قبل القرار الاقتصادي، فهل تَحقّقت الإرادة السياسية الصينية، التي بموجبها سيُعاد ترتيب علاقات بكين الاقتصادية مع دمشق؟

Related posts

أبو عبيدة: مقتل رهينة بمنطقة تتعرض لقصف إسرائيلي شمال قطاع غزة

وزارة الصحة اللبنانية: استشهاد أحد عشر شخصا في عدوان جوي صهيوني على وسط بيروت

رئيس الوزراء: سلوفينيا ستمتثل لمذكرات الاعتقال بحق قادة “إسرائيل” وحماس