يرجح المراقبون السياسيون لمحادث فيينا الهادفة إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني، يرجحون أن أي تقدم ملموس في هذه المحادثات لن يتم قبل تسلم إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الجديد مهام سلطته، وتشكيل حكومة إيرانية جديدة.
فعلى رغم الأجواء الإيجابية التي أشاعها تقرير وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الأخير أمام البرلمان، عن المفاوضات النووية في فيينا، إلّا أنه بات من الواضح أن أيّ تقدّم فعلي في هذا الملفّ بات مُعلّقاً على مجيء الحكومة الجديدة، التي يبدو أن الأطراف جميعهم، بمن فيهم إيران، يفضّلون انتظار تسلّمها مهامّها قبل إطلاق صافرة الجولة السابعة. إزاء ذلك، ينفتح الباب أمام احتمالات كثيرة، تُراوح بين استكمال المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق، أو إنهائها وإغلاق مسار إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة»
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انتهاء الجولة السادسة من محادثات إعادة إحياء «خطة العمل المشتركة الشاملة» (الاتفاق النووي) في فيينا، لا يزال من غير الواضح متى تبدأ الجولة السابعة، على الرغم من أن القرائن تشير إلى انتظار حسم الأمر في الإدارة الإيرانية الجديدة، برئاسة م رئيسي. وأجرت إيران والدول الأعضاء في الاتفاق النووي، وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، وبمشاركة غير مباشرة من ممثلي الولايات المتحدة، إلى حدّ الآن، ستّ جولات، تهدف إلى رفع العقوبات الأميركية عن إيران، مقابل عودة برنامج هذه الأخيرة النووي إلى القيود السابقة. وكما تقول أطراف المحادثات، فإنّ ثمة «خلافات مهمّة» ما زالت قائمة، على رغم إحراز بعض التقدّم. ويبدو أن أحد أسباب التأخّر في بدء الجولة السابعة، هو أن إيران تعيش مرحلة انتقال السلطة، ما يعني أن هناك اعتبارات تؤثّر على اتخاذ بعض القرارات. ومن بين هذه الاعتبارات، يمكن الإشارة إلى تشكيل «لجنة» جديدة تُعنى بمطابقة نتيجة محادثات فيينا مع السياسات المعلنة من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وضرورة نقل محتوى المحادثات إلى الحكومة المنتخبة، وكذلك الأخذ في الاعتبار الأفكار الجديدة التي قد يطرحها مسؤولو إدارة رئيسي.
قبل ذلك، كان الوفد الإيراني المفاوِض، برئاسة عباس عراقجي، المساعد السياسي لوزير الخارجية، يضع بعد عودته إلى طهران، المجلس الأعلى للأمن القومي في صورة حصيلة محادثاته، لكي يُتّخذ القرار النهائي. لكن، مع فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 حزيران الماضي، فإن نتيجة المحادثات توضع بتصرّف المجلس الأعلى للأمن القومي، فضلاً عن لجنة مؤلّفة من ممثّلين عن هذا المجلس وعن البرلمان والحكومة، وكذلك اثنان من ممثّلي الرئيس المنتخب، لتخضع للدراسة والبحث. ويشارك في جلسات هذه اللجنة من جانب رئيسي، كلّ من علي حسيني تاش مساعد المجلس الأعلى للأمن القومي للشؤون الإستراتيجية، وعلي باقري المساعد السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، والمدير الحالي للجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية، والذي يُعدّ من الأسماء المطروحة لتولّي حقيبة الخارجية. كما يشارك كلّ من علي شمخاني ممثلاً للمجلس الأعلى للأمن القومي، وعبد الرضا مصري، ومجتبى ذو النوري، ووحيد جلال زادة، ممثّلين لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وعلي أكبر صالحي رئيس مؤسّسة الطاقة الذرّية، وعباس عراقجي ممثّلاً للحكومة.
في هذه الأثناء، وفي آخر تقرير رفعه إلى البرلمان أوّل من أمس، أعرب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن أمله في أن يتمّ «استكمال» المحادثات المتعلّقة بإعادة إحياء الاتفاق النووي، في مستهلّ عمل إدارة إبراهيم رئيسي. وكان الرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني، قد وعد مراراً بأن يتمّ رفع العقوبات قبل انتهاء ولايته الرئاسية، بيد أن التقرير الجديد لظريف يُظهر أن حسم هذه المسألة أحيل إلى إدارة رئيسي، والتي ستتسلّم مهامّ عملها بعد نحو ثلاثة أسابيع. وقال ظريف، في تقريره، إن الطرفين اقتربا من «إطار اتفاق محتمل لرفع العقوبات»، فيما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زادة، أن «تقدّماً كبيراً حصل في المحادثات، ومن المرجّح التوصّل إلى اتفاق». لكنه أشار، أيضاً، إلى أن «القضايا موضع الخلاف واضحة، وعلى الدول أن تتّخذ قراراً بشأنها».
تريد واشنطن أن توطّئ هذه المحادثات لمفاوضات مقبلة تغطّي القضايا الإقليمية والصاروخية
وأظهرت ستّ جولات من المحادثات أن ثمّة هوّة واسعة تفصل توقّعات إيران ومطالبها عن تلك الخاصة بأميركا، وأن من الصعوبة بمكان ردم هذه الهوة. وعلى رغم أن ظريف تحدث، في تقريره الأخير، عن حصول تقدّم في المحادثات، إلّا أنه لم يتطرّق إلى القضايا الخلافية، التي تبدو جسيمة إلى حدّ أن ستّ جولات من المحادثات لم تفلح في حلحلتها. وتريد طهران رفع «جميع العقوبات» التي فُرضت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، لكنّ هذه الأخيرة غير جاهزة لتقديم تنازلات، وغير راغبة في رفع العديد من العقوبات التي وضعت في مجالات من مثل الإرهاب وحقوق الإنسان. وفي ضوء التجربة السابقة، تريد طهران التأكّد من أن الإدارة الأميركية – أكان جو بايدن رئيسها أو شخص آخر – لن تنسحب من الاتفاق النووي مستقبلاً، وألّا تتكرّر قصّة انسحاب دونالد ترامب. بيد أن الإدارة الأميركية لا تتجه لإعطاء هكذا ضمانات، كما أنّها غير قادرة أصلاً على إعطائها. كذلك، تحرص الولايات المتحدة على أن تشكّل هذه المحادثات توطئة لمفاوضات مقبلة تغطّي القضايا الإقليمية والصاروخية، وكذلك على جعل الاتفاق النووي أطول أمداً وأكثر تصلّباً، الأمر الذي لا تقبل به إيران، رافضة إضافة أيّ مواد جديدة إلى اتفاق عام 2015، أو إفساح المجال أمام محادثات تتخطّى حدوده.
من هذا المنطلق، يبدو أن الأشواط السهلة من المحادثات قد قُطعت خلال الجولات السابقة، لتصل الأطراف الآن إلى المراحل الشائكة منها، والتي يتطلّب تجاوزها قرارات صعبة، يبدو أن الطرفين غير جاهزَين لها بعد. ويشير قول ظريف، في تقريره الأخير، إنّ «التوجّهات القصوى تؤدّي إلى المحادثات الاستنزافية، والتي لا نهاية لها»، إلى صعوبة عملية اتخاذ القرار، سواء في إيران أو أميركا بشأن المسائل الخلافية. ويأتي ذلك بالرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، عبّر عن استعداد بلاده للانخراط في الجولة السابعة من محادثات فيينا، واعتبر أن «طهران هي التي يجب أن تتّخذ القرار للجولة السابعة». وفي ضوء ما تقدّم، بات من الواجب الانتظار لرؤية ما إذا كان مجيء إدارة رئيسي القريبة من التيار الناقد عموماً للاتفاق النووي، سيؤدّي إلى إغلاق مسار المحادثات بالكامل، أم أنه سيسهّل فكّ العُقَد المتبقّية، وإعادة إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة».